لعلّنا جميعاً صادَفنَا بالأمس ، هذا المشهَد العبَثِي ، و المُرفق بِخبر الانقلاب العسكري علي رئيس غينيا “ألفا كوندي” حقيقةً ، لَم أنزعِج كثيراً لمُجرّد قراءة الخبر ، فَغينيا ، و القارة السّمراء كَكُل ، اعتدتُّ منها كثيراً علي تلكَ الانقلابات ، بعضها ينجح ؛ إلي أن يُنقلَب عليه ، و بَعضها يفشَل ، و يكرّر المُحاولة ، إلي أن يَنجَحُ يوماً.
ولكنها الحقيقة المُوجعة حَدّ الصّرخة : لِمَ البدايات دائماً أجمَل مع حكـامنا ؟
ثِمَة علاقةٍ عاطفيّة مِن طَرفٍ واحِد ، ألا و هو “الحاكِم” ، يَبذُل فيها عصارَة وطَنِيّته ، و خِطاباته المُعتّقة برائحة المُستقبَل الوَردي ، و صَوته الأجَشّ يَصدحُ بِترنيمات “العدل ، و السّلام ، و الحُريّة”
نعَم ، ينطلقُ كالهواء ، في الأرض ، و السماء ، علي الشاشات ، و صفحات الجرائد ، حتّي نكادُ نسمعهُ يخترِق الجُدرانَ ، و النّوافذ ، فيطمئنّ الكثيرينَ مِنّا ؛ نعَم هو القائد الهُمام ، و مُخلّص البلادَ من شَرّ العبَاد ،
و ننطلِق مُهلّلين: أهلاً بالحرّية ،أهلاً بالرخاء. وفقَط تَغفو عيوننا بُرهةً ؛ فلا نري سوي السّراب المُحيط بِنا !
أينَ هو القائِد الهُمام ؟
كان هُنا رجلاً، قاتَلَ لِعقُودٍ ، مِن أجلِ الحُرّيّة
وحقوقِ الإنسان في بلادُه ؛أينَ ذهَب ؟
أينَ مَن كانَ يرفعُ السّلاح “صوتاً ، وشِعاراً، و استبسالاً، لأجل حُرّية بلاده و أبنائها ؟
نعَم كانَ هُنا رَجُلاً تبَخّر ، و ما بقي منه سوي ظلاً للدّكتاتوريّة ، خان العهد ، والمُثل العليا في أوّل فُرصة سُنِحت لهُ
انقضّ علي الدّستور ، و تجبّرَ علي شعبِه ،ضارباً بالحُريّة عَرض الحائط ،
انطلقَ في مزاداتٍ سرّية و علنيّة ؛
عندي وطَن فمَن يشتري؟
فإذا بعَرضِ “التّطبيع” الصهيوني ، وبَاتَ “كوندي” – مُرَحّباً به، مُتناسياً الموقفٍ المُشرّف لسابقه ، “سيكوتوري “، حين أصدَر قراره بقَطع العلاقات مع “إسرائيل” ردّاً علي العُدوان الثلاثي 1967 علي الدّول العربيّة . إلي أن جاء هو، وطبّع في2016 ، بل وانطلق بعدها يُنادي:
مَن يشتري مناجِمَ أرضي؟
فـاشترت شركة “ألكوا”مناجم البوكست” و أخري، لها مناجم الذهَب ، وبات شعبهُ في فَقرهِ المُدقَع ، بينما خَيرات بلاده ؛فالغرياءأولَي بهَا ، باعَ “الـهُوَ ،و القضيّة” ، و توغّلَت بداخلهِ الأنَـا و لا يعلو صوتَ فوق الأنـا ، فأصبح “مانديلا ، و بات غاندي “، كما أطلَق يوماً علي نفسه.
لمَا كان مِن الطبيعي أن يَنقلِبوا عليه،
ليَظهَر من جَديد ، مَن يُبرّر الانقلاب :
لأسباب الفقر ، و انعدام العَدل،و الجُوع ، و كَبت الحُريّات ؛ هكذا قالوا ، و هكذا سَوف تكون نفسها مُبرّرات مَن سَينقلبَون عليهِم لاحِقاً . وتدور الدّوائر ، و تجمَع جُغرافيا المَكان،صُوَراً مُستنسخَة لـ”كوندي” ، و تظلّ كلمات الشاعر الإفريقي -ليون كونتراس داماس – تَجُوب عقول شَعب غينيا و رِفاقِه مِن الشُعوب البائِسة ، و هُم كُثُرُ!
أبداً لن يَصير الأبيضُ زنجِيّاً
لأن الجمال أسوَد ،والحكمة سوداء.
و التحمّل أسوَد، والشّجاعة سوداء.
لأن الصّبر أسوَد، والحدِيد أسوَد،
والجاذبيّة سَوداء ، والشّعر أسوَد،
والإيقاع أسوَد ، والفَن أسوَد،
والحركَة سَوداء ،لأن الضّحك أسوَد،
والمرَح أسوَد ،والسّلام أسوَد ،
وسَوداء هِي الحَياة .
و نظلّ نحن الشّعوب نتَسائل :
لماذا البداياتِ هيَ الأجمَل معَ حُكّامِنَا ؟
أمل علي.